العقد المضيع: الفرص التي لم تُستغَل في أمريكا اللاتينية

 

تفسير الفترة الضائعة

في الثمانينات، غالبًا ما كانت تُوصف تلك الفترة في أمريكا اللاتينية بأنها “العقد الضائع”، وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية الحادة التي عانت منها الدول في تلك المنطقة. تضمنت هذه الأزمات تضخمًا مفرطًا، ارتفاعًا غير مسبوق في الدين الخارجي وانكماشًا اقتصاديًا عميقًا. لكن بول فولكر، الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قدم وجهة نظر مختلفة عندما قال: “وُصفت فترة الثمانينات بأنها ‘العقد الضائع’ بالنسبة لأمريكا اللاتينية. وجهة نظري مختلفة: لقد كان عقداً من الفرص الضائعة.”

تحليل الفترة الضائعة

لفهم هذا الاقتباس، علينا أن نحلل الظروف التي كانت موجودة آنذاك والمستوى الذي تحدث عنده الفرص الضائعة. في بداية الثمانينات، دخلت أمريكا اللاتينية في فترة من عدم الاستقرار المالي، حيث تراكمت ديون كبيرة جدًا على معظم دول المنطقة نتيجة لتبني سياسات اقتصادية غير منضبطة والاقتراض المفرط من الخارج. وعندما ارتفعت أسعار الفائدة العالمية واجهت العديد من هذه الدول صعوبة في سداد ديونها، مما أدى إلى وقوعها في أزمات اقتصادية وسياسية.

يرى فولكر أن هذه الفترة لم تكن “ضائعة” بمعنى لا رجوع منها، لكنها كانت مليئة بالفرص التي لم تُستغَل. العديد من الدول في أمريكا اللاتينية كانت تمتلك قدرات طبيعية، بشرية وثقافية ضخمة يمكن تحويلها إلى محفزات اقتصادية هائلة. لكنها فشلت في تعزيز بنى تحتية مالية واقتصادية مستدامة وكان هناك نقص في الإصلاحات الهيكلية الضرورية. على سبيل المثال، الاستثمارات في التعليم، التكنولوجيا والبنية التحتية الصناعية كانت يمكن أن تضع الأساس لنمو اقتصادي طويل الأمد.

فبدلاً من التركيز على حلول قصيرة الأجل ومؤقتة لهذه المشاكل، مثل الاقتراض مرة أخرى لتسديد الديون القديمة أو الاعتماد على المساعدات الدولية، كانت هناك فرص لتبني إصلاحات جذرية تؤدي إلى استقرار اقتصادي واجتماعي. يمكن القول أن أمريكا اللاتينية فشلت في تحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة البناء والتحول.

بوجود قيادة قوية وإرادة سياسية حقيقة، كان يمكن لبلدان أمريكا اللاتينية أن تستغل عقد الثمانينيات كمنصة لإطلاق برامج تنموية وتحسينات جذرية في النظام المالي والسياسي، بدلاً من الدخول في دوامة من الأزمات المتكررة. إذًا، اقتباس بول فولكر يعكس نظرته بأن العقد لم يكن مجرد سلسلة من الخسائر، بل كان يحتوي أيضًا على فرص ضائعة لم تُستغَّل بالشكل الأمثل لتحقيق تقدم دائم ومستدام في المنطقة.

شارك المقال مع أصدقائك

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram

Leave a Reply