تأثير الابتكار المالي على النمو الاقتصادي: تحديات وآفاق

أدلى بول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بتصريح مثير للجدل يعبر فيه عن شكوكه تجاه تأثير الابتكار المالي على النمو الاقتصادي. قال فولكر: “أتمنى أن يقدم لي أحدهم دليلًا محايدًا واحدًا على أن الابتكار المالي قد أدى إلى النمو الاقتصادي – دليل واحد.” هذه العبارة تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات والمعاني التي تستحق النقاش.

ابتداءً، يجب أن نفهم السياق الذي جاءت فيه تصريحاته. شهدت العقود الأخيرة تطورات هائلة في المجال المالي، بدءًا من ظهور أدوات مالية جديدة مثل المشتقات المالية وتحوط المخاطر، وصولاً إلى انتشار التكنولوجيا المالية أو “فينتك” واستخدام الذكاء الاصطناعي في التداول وتقديم القروض. تلك التطورات غالبًا ما يروج لها بأنها تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال تحسين الكفاءة وتوسيع الوصول إلى الخدمات المالية.

لكن فولكر يعبر عن توجس من هذه المزاعم، مشيرًا إلى أن الابتكارات المالية غالبًا ما تعزز من تعقيد النظام المالي بدلاً من تعزيز الاقتصاد الحقيقي. فعلى سبيل المثال، كان للأزمة المالية العالمية عام 2008 دور كبير في تسليط الضوء على المخاطر المرتبطة بالابتكارات المالية غير المُنظمة، حيث كانت الأدوات المشتقة وعمليات التوريق من بين الأسباب الرئيسية لتفاقم الأزمة.

يتسائل فولكر، إذا كانت هذه الابتكارات قد أدت فعلاً إلى نمو اقتصادي مستدام، أين هو الدليل المحايد الذي يبيّن ذلك؟ يشير إلى أن الفوائد غالبًا ما تقتصر على المؤسسات المالية نفسها، في حين يتضاءل الأثر الإيجابي على الاقتصاد الأوسع.

من جهة أخرى، هناك من يجادل بأن الابتكار المالي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الكفاءة في تخصيص الموارد، وتحسين الوصول إلى الائتمان خاصة في الاقتصادات الناشئة، وتوفير أدوات جديدة لإدارة المخاطر. لكن فولكر يلفت النظر إلى البعد الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية للابتكارات المالية، متسائلاً عن مدى شفافيتها ومساهمتها الفعلية في تحسين حياة الناس وتطبيقها في الاقتصاد الحقيقي.

في الختام، تظل تصريحات بول فولكر دعوة مفتوحة لإعادة النظر في تأثير الابتكار المالي. هل نحن بحاجة إلى تقنين أكثر لضمان أن تلك الابتكارات تخدم الاقتصاد ككل بدلاً من أن تصب فقط في مصلحة القلة؟ هل يمكن تحقيق توازن يضمن الابتكار مع الحفاظ على استقرار النظام المالي؟ هذه التساؤلات تحتاج إلى دراسة جادة ومناقشة مستفيضة لضمان مستقبل أكثر استدامة.