أهمية توقيت تطبيق السياسات النقدية: دروس من بول فولكر

 

مقدمة

يعد بول فولكر، الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، من الشخصيات البارزة في عالم الاقتصاد والسياسة النقدية. وقد عرف بتصريحاته الجريئة والمبنية على خبرة طويلة وعميقة في إدارة السياسات الاقتصادية. إحدى تصريحاته البارزة كانت بشأن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الاحتياطي الفيدرالي فيما يتعلق بتوقيت تطبيق السياسات النقدية.

الاحتياطي الفيدرالي وتوقيت السياسات النقدية

يقول فولكر: “إن أسوأ إخفاقات الاحتياطي الفيدرالي جاءت من الانتظار لفترة أطول مما ينبغي لتشديد السياسة النقدية أثناء فترات النمو، وليس من تخفيفها أكثر مما ينبغي أثناء فترات الركود.” تحمل هذه العبارة في طياتها عدة معانٍ ودروس يمكن للأكاديميين وصناع السياسات تعلمها.

  • في فترات النمو الاقتصادي، يكون التحدي الرئيسي هو السيطرة على التضخم الذي قد ينجم عن زيادة الطلب وسخونة الاقتصاد. عندما يكون الاقتصاد في مرحلة توسع، يجعل فائض الطلب وعدد الوظائف العالية والمتزايدة من الصعب السيطرة على التضخم. في هذا السياق، قد يتردد صناع السياسات في اتخاذ خطوات لتشديد السياسة النقدية – مثل رفع أسعار الفائدة – خوفًا من التأثير السلبي على النمو الاقتصادي ومسيرة البطالة. ولكن فولكر يشير إلى أن الانتظار لفترة طويلة قبل تشديد السياسات يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التضخم، ما يجعل من الصعب السيطرة عليه فيما بعد ويتطلب إجراءات أكثر قسوة وضربا للاقتصاد. من هنا تأتي عبارة “الانتظار لفترة أطول مما ينبغي”.
  • على النقيض، يرى فولكر أن تخفيف السياسة النقدية أثناء فترات الركود، رغم مخاطرها، لا يحمل نفس العواقب الوخيمة. إذ يمكن القول بأنه أسهل حالياً إعادة تنشيط الاقتصاد من خلال الإجراءات التوسعية مثل خفض أسعار الفائدة وزيادة السيولة النقدية. بينما رفع الفائدة في سيناريوهات التضخم المرتفع يتطلب صرامة وجهود قوية وقد تترافق مع تكلفة اقتصادية أعلى.

التأثير الفعّال للقرارات الصائبة

يمكننا رؤية تأثير هذا الفكر في السياسات التي اتبعت في العقود الأخيرة، حيث كانت هناك محاولات لتجنب الوقوع في مصيدة الانتظار الطويل قبل تشديد السياسة النقدية أثناء فترة النمو الاقتصادي. تُعتبر الفترة الممتدة من الستينات حتى الثمانينات مثالًا جيدًا على ذلك، فقد شهدت الولايات المتحدة تضخمًا مرتفعًا لم تستطع الاحتياطي الفيدرالي السيطرة عليه بسبب ترددها في تشديد السياسة النقدية في البداية، مما أدى إلى تضخم مزدوج وأزمات مالية لاحقة تتطلبت إجراءات صارمة من قبل فولكر نفسه.

باختصار، يشدد فولكر على أهمية اتخاذ القرارات الصائبة في وقتها المناسب وعدم التأخير في تشديد السياسة النقدية عندما يكون الاقتصاد في حالة نمو، لتفادي تفاقم الأزمات والسيطرة على التضخم بشكل فعال. إن دروس التاريخ توضح لنا بجلاء أن التأخير في هذه القرارات يمكن أن يكلف الاقتصاد والمجتمع تكاليف باهظة يصعب التعافي منها بسرعة.

شارك المقال مع أصدقائك

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram

Leave a Reply