تأثيرات دعم الوقود الأحفوري على البيئة والاقتصاد العالمي

في العصر الحديث يتزايد النقاش حول تأثيرات الوقود الأحفوري على البيئة والاقتصاد العالمي.

أحد أبرز الأصوات في هذا النقاش هو المدير العام لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، التي دعت بشكل صريح إلى الإلغاء الكامل لدعم الوقود الأحفوري.

إن التحديات السياسية التي تواجه إزالة دعم الوقود الأحفوري كبيرة ومعقدة، خاصة في الدول التي تعتمد اقتصادياتها بشكل كبير على هذا النوع من الوقود. إلا أن جورجييفا تشير إلى أن التكلفة الفعلية على مستقبلنا تتجاوز بكثير التكلفة المالية التي تتحملها الدول حاليًا.

تُقدّر قيمة الدعم السنوي للوقود الأحفوري بأكثر من 5 تريليون دولار، وهذا رقم ضخم يؤثر على ميزانيات الدول ويعمل على تقويض الجهود العالمية في مكافحة التغير المناخي. يعزو الخبراء هذا الدعم إلى سياسات اقتصادية تهدف إلى تثبيت أسعار الوقود وتقليل تكاليف الإنتاج، مما يعزز من الاعتماد على الطاقات التقليدية ويحد من الاستثمار في الطاقات النظيفة والمتجددة.

لكن هذه السياسة قد تكون قصيرة النظر إذا ما أخذنا في الاعتبار التبعات البيئية والاقتصادية طويلة الأمد. فالإعانات الكبيرة للوقود الأحفوري تزيد من إنبعاثات الغازات الدفيئة التي تساهم بشكل مباشر في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. إذا ما استمر العالم في مساره الحالي، فقد نواجه كوارث بيئية واقتصادية غير مسبوقة، تتجلى في تغيرات مناخية متطرفة، ارتفاع مستويات البحار، وزيادة في الأزمات الغذائية والمائية.

كما أن دعم الوقود الأحفوري يؤدي إلى تشويه الأسواق ويضعف من قدرة الابتكار في مجال الطاقة النظيفة. فعندما يحصل المنتجون والمستهلكون على وقود رخيص بسبب هذه الإعانات، يتقلص الحافز للاستثمار في البحث والتطوير في مجال الطاقات المتجددة. هذا يؤدي إلى تأخير الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون، الذي يعتبر حاسمًا في تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.

من الجانب الاقتصادي، ثمة تكلفة غير مباشرة ترتبط بمشكلات صحية تنتج عن التلوث الكبير الذي يُحدثه الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري. الأمراض التنفسية وأمراض القلب والزهايمر وغيرها من الحالات المزمنة تعتبر من الأعباء الصحية التي قد تُكلف الحكومات نفقات طبية هائلة.

إذن، فإن الدعوة التي وجهتها كريستالينا جورجييفا لا تحمل فقط همومًا بيئية، بل تتسع لتشمل آثارًا اقتصادية واجتماعية جوهرية. إن تبني سياسات تحفز على إنهاء دعم الوقود الأحفوري قد يواجه مقاومة شديدة من بعض الفئات والمصالح التجارية، لكنه يمثل خطوة ضرورية لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

في ظل هذه الرؤية، يعتبر من الضروري أن تتعاون الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص في جهود منسقة لإحداث التحول المطلوب في سياسات الطاقة العالمية. الأعوام القادمة ستكون حاسمة، وتحتاج إلى قرارات جريئة وإرادة سياسية قوية لإحداث التغيير المنشود.