التغلّب على عدم اليقين: تبنّي وجهة نظر جون ماينارد كينز في عملية اتّخاد القرار

في عملية اتِّخاد القرار وحلحلة المشاكل، هناك اقتباس للاقتصادي الشهير جون ماينارد كينز يحمل حكمة مهمة: “من الأفضل أن تكون على صواب تقريبًا بدلاً من أن تكون مخطئًا تمامًا”. يؤكد هذا الاقتباس على أهمية التفكير النقدي واتخاذ القرارات بناءً على تقديرات تقريبية بدلاً من الاعتماد على معلومات دقيقة ولكن يُحتمل أن تكون خاطئة. في هذه المقالة، سوف نحاول فهم وجهة نظر كينز، نستكشف مزايا الاعتماد على المرونة في عملية اتخاذ القرار، نسلط الضوء على العواقب السلبية للاعتماد على الدقة والكمال في عملية صناعة القرار، نقدم أمثلة ودراسات حالة على ذلك، نناقش دور الموازنة بين الدقة والواقعية والمراجعة المستمرة للقناعات في عملية صناعة القرار، ونقدم آراء الخبراء ونتائج الأبحاث في هذا الموضوع.
 

فهم وجهة نظر كينز

أدرك كينز، وهو شخصية بارزة في الاقتصاد، أن عملية اتخاذ القرار معقدة وتتميز بعدم اليقين. كما أنه أكّد على أن المستقبل غالبًا ما يكون ضبابيا، مما يجعل الحصول على معلومات دقيقة ومضبوطة أمرًا صعبًا. يعترف الاقتباس بحدود السعي لتحقيق الدقة المطلقة في عالم من عدم اليقين، ويشجع صانعي القرار على تبني مقاربة أكثر واقعية وقابلة للتكيف أثناء اتخاذهم للقرارات.
 

مزايا الاعتماد على المرونة في عملية اتخاذ القرار

يوفر لنا الاعتماد على المرونة في عملية اتخاذ القرار العديد من المزايا. أولاً، يسمح هذا المعطى بالقدرة على التكيف، مما يمكّن صانعي القرار من تعديل استراتيجياتهم عند ظهور معلومات جديدة. ثانيًا، يُمكِّن هذ المعطى من اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، لأن انتظار المعلومات المُؤكّدة قد يؤدي إلى ضياع الفرص. ثالثًا، الاعتماد على المرونة في عملية اتخاذ القرارات يجعل منها قابلة للتطبيق في العالم الحقيقي، حيث تستند القرارات إلى تقديرات عملية بدلاً من افتراضات غير واقعية. أخيرًا، يشجِّع هذا المعطى على التجريب والتعلم من الأخطاء، لأنّ الكمال غالبًا ما يكون بعيد المنال.
 

العواقب السلبية للاعتماد على الدقة والكمال في عملية صناعة القرار

الاعتماد فقط على الدقة والكمال في عملية صناعة القرار يمكن أن يكون له العديد من العواقب السِّلبية. يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى الشلل التحليلي، وهو مجازاً العجز عن اتخاذ القرار، والذي ينجم عن التحليل المفرط للوضعية التي تستدعي التدخل السريع، وبالتالي تعطّل عملية صناعة القرار دون داع. علاوة على ذلك، قد يؤدي هذا المعطى إلى استياق معطيات مشوّهة وافتراضات غير واقعية، مما قد يؤدي إلى نتائج سلبية. من خلال الانغماس في التعقيدات والشك المفرط، يمكن أن يكون للقرارات التي نتّخذها عواقب سلبية وخيمة.
 

أمثلة ودراسات الحالة في هذا السياق

توضِّح الأمثلة الواقعية صحة اعتقاد كينز. في سياق الأعمال التجارية، فإن الشركة التي تكَيِّف استراتيجيتها بناءً على تقديرات تقريبية واتجاهات السوق المتغيِّرة باستمرار تنجح في تجاوز العقبات. تسمح المرونة لهذه الشركات باغتنام الفرص والاستجابة للديناميكيات المتغيرة. في المقابل، فإن الشركة التي تعتمد على بيانات دقيقة ولكنها قديمة قد تجد نفسها متخلفة عن المنافسة.

بالمثل، عند صانعي السياسات، فإن الحكومة التي تنفذ سياسات تستند إلى توقعات تقريبية وتعدلها حسب الحاجة تظهر القدرة على الاستجابة السريعة والقدرة على التكيف مع مختلف التغيّرات. في المقابل، فإن الحكومة التي تلتزم بشكل صارم بنماذج اقتصادية دقيقة ولكنها خاطئة قد تواجه آثارًا سلبية على اقتصادها.
 

دور الموازنة بين الدقة والواقعية والمراجعة المستمرة للقناعات في عملية اتخاذ القرار

إن الموازنة بين الدقة والواقعية في عملية اتخاذ القرار أمر بالغ الأهمية. يجب أن يدرك صانعو القرار الحاجة إلى الاعتماد على معلومات تقريبية مع مراجعتها وصقلها باستمرار بناءً على النتائج والآراء الجديدة. تمكّنهم هذه المقاربة من الاستلهام من المعلومات الجديدة وتكييف قراراتهم باستمرار وفقا لذلك.
 

آراء الخبراء ونتائج الأبحاث في هذا الموضوع

يدعم بعض الاقتصاديون والخبراء فكرة كينز. يؤكّد هؤلاء على أن الدِّقة وحدها غير كافية في البيئات المعقدة والتي تتميّز بعدم اليقين. أظهرت الدراسات البحثية أن صانعي القرار الذين يتبنّون مقاربة الاعتماد على معلومات تقريبية مع مراجعتها باستمرار غالبًا ما يتفوقون في الأداء على أولئك الذين يركزون على الدقة وحدها. مع ذلك، من الضروري الاعتراف بأن هناك وجهات نظر بديلة تدعو إلى الدِّقة والكمال في سياقات معينة.
 

خاتمة

مقولة كينز، “من الأفضل أن تكون على صواب تقريبًا بدلاً من أن تكون مخطئًا تمامًا”، تلخص الحكمة في تبني المرونة في عملية صناعة القرار. تسمح لنا المرونة بالقدرة على التكيف والتعلم من الأخطاء ومعالجتها باستمرار. في حين أن السعي وراء الدقة له مزاياه، إلا أنه لا ينبغي أن يلقي بظلاله على أهمية المرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة في عالمنا دائم التطور. يجب على صانعي القرار تحقيق التوازن بين الدقة والواقعية، والمراجعة المستمرة لقناعاتهم، والبقاء منفتحين على المعلومات والرؤى الجديدة أثناء عملية اتخاذ القرار.