الحُرية العقلية: طريق نحو التحرر

تعتبر الحرية من أعمق وأهم القيم الإنسانية التي يسعى إليها كل فرد. ولكن ما هي طبيعة هذه الحرية وكيف يمكن تحقيقها؟ هنا يأتي الاقتباس الشهير لنصيف نيقولا طالب: “إنما الذين يتعلمون بأنفسهم هم الأحرار”، ليضيء لنا جوانب مهمة في هذا الموضوع.

المقصود بأن “الذين يتعلمون بأنفسهم هم الأحرار” هو أن عملية التعلم الذاتي تعطي الإنسان القدرة على التفكير المستقل واتخاذ القرارات بناءً على معرفة وفهم شخصي بدلاً من الاتباع الأعمى لما يُملى عليه من الآخرين. يعتمد التعلم الذاتي على الشغف الشخصي والرغبة الحقيقية في الاستكشاف والفهم، وهو ما يمكن الفرد من تطوير مهاراته ومعارفه بطريقة تلبي احتياجاته ورغباته الخاصة.

هذه الحرية الفكرية هي نوع من التحرر العقلي، حيث يكون الفرد قادراً على النظر إلى الأمور من زوايا متعددة ومن خلال عدسة نقدية. فالتعلم الذاتي يمكن الفرد من تطوير منظور شخصي مستند إلى حقائق ومعرفة مكتسبة بجهد فردي، مما يعزز من الثقة بالنفس والاستقلالية.

إن الاعتماد على المؤسسات التعليمية التقليدية والأطر المجتمعية المحددة قد يقيد الفرد بأطر ومناهج محددة قد لا تعكس اهتماماتهم الفعلية أو تتيح لهم الحرية الكاملة لاستكشاف مجالات جديدة وغير مألوفة. على العكس، يمنح التعلم الذاتي الفرد الفرصة للتجربة والخطأ، والتعلم من تجاربه الشخصية، مما يتيح له بناء فهم عميق ومتعدد الأبعاد للعالم من حوله.

بالإضافة إلى ذلك، يشجع التعلم الذاتي على الابتكار والإبداع. فالإنسان الذي يتعلم بنفسه لا يتقيد بالقواعد التقليدية أو الحدود المرسومة مسبقاً، بل يكون لديه الدافع والرغبة في التجديد والابتكار. ويمكن القول أن الكثير من الإبداعات والاكتشافات الكبرى جاءت نتيجة لأشخاص كانوا متعلمين بذاتهم ورفضوا أن يقفوا عند الحدود التقليدية.

إن التعليم الذاتي ليس مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هو منهج حياة يفتح الأبواب أمام الحرية الحقيقية. إنه يمكّن الإنسان من أن يكون سيد مصيره، مستفيداً من معرفته وخبراته في اتخاذ القرارات الصائبة وتحقيق أهدافه وطموحاته.

في الختام، يمكن القول بأن الاقتباس “إنما الذين يتعلمون بأنفسهم هم الأحرار” يعبر عن حقيقة جوهرية حول العلاقة بين الحرية والمعرفة الذاتية. فالتعليم الذاتي ليس فقط وسيلة للاكتساب المعرفة، بل هو طريق نحو الحرية الحقيقية التي تمكن الإنسان من تحقيق ذاته والعيش بحياة تملأها الاستقلالية والإبداع.