الماركسية: نتاج العقل البرجوازي

 الماركسية هي في الأساس نتاج العقل البرجوازي.

هذه العبارة التي جاءت على لسان جوزيف شومبيتر تثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الماركسية ومنشأها الفكري الحقيقي. لفهم هذا القول، يجب علينا أن نغوص في جذر الماركسية والتحليل الاجتماعي الذي قدمه كارل ماركس وفريدريش إنجلز.

 الماركسية كنتاج اجتماعي وفكري

الماركسية، كأيديولوجية، نشأت في القرن التاسع عشر خلال فترة تصاعد الرأسمالية والصراع الطبقي المحتد بين البرجوازية والبروليتاريا. ماركس وإنجلز قدما تحليلاً اقتصادياً وفلسفياً واجتماعياً للنظام الرأسمالي، وأكدا على أنه ينتج وبالضرورة علاقات استغلال ولامساواة. وأبرز ما تضمنه هذا التحليل هو فكرة الصراع الطبقي كمحرك للتاريخ والتحول الاجتماعي.

 التحديات التاريخية لفهم الماركسية

ومن هنا، يبرز السؤال: كيف يمكن لنظرية تعنى بالنضال ضد البرجوازية أن تكون “نتاج العقل البرجوازي”؟ قد يبدو هذا تناقضاً في الظاهر، ولكن من الأهمية بمكان فهم السياق الذي جاء فيه هذا القول.

 سياق نشوء الماركسية

أولاً، لا بد من الإشارة إلى أن ماركس وإنجلز كانا نفسهما من الطبقة الوسطى المتعلمة، أي أنهما تعلما في مؤسسات تعليمية برجوازية وامتلكا وعياً ثقافياً وفكرياً تم تشكيله في هذا السياق. بدون هذا التعليم والتنشئة الثقافية، ربما لم يكن بإمكانهما تطوير المفاهيم والنظريات التي توصلوا إليها.

ثانياً، يمكن القول أن “العقل البرجوازي” الذي ساهم في تشكيل الماركسية لا يعني بالضرورة التبعية الكاملة لمصالح البرجوازية. بدلاً من ذلك، فإن الماركسية جاءت كتحدٍ مباشر للنظام البرجوازي من داخل هذا النظام نفسه. إنها تمثل نقداً داخلياً، إن جاز التعبير، لنظام اجتماعي صنع الباحثون فيه أدوات فكرية لتحليل هذا النظام والمحاولة لتجاوزه.

ثالثاً، ومن زاوية أخرى، يمكن فهم قول شومبيتر على أنه يعبر عن رؤية سوسيولوجية أعمق. الطبقة العاملة في القرن التاسع عشر لم تكن تمتلك الوسائل ولا الثقافة اللازمة لتطوير نظرية معقدة كالتي قدّمها ماركس وإنجلز. لذا، يمكن القول أن الماركسية احتاجت إلى خلفية ثقافية ومعرفية برجوازية، ولكن لتظهر كنقد وثورة على هذا النظام.

في الختام، العبارة “الماركسية هي في الأساس نتاج العقل البرجوازي” تقدّم نظرة جدلية حول المركب الفكري والتاريخي للماركسية. فهمها يتطلب النظر إلى السياق التاريخي والفكري الذي برزت فيه هذه النظرية والدور الذي لعبته الشخصيات التي جادت بها في النضال السياسي والاجتماعي ضد نظام رأسمالي استغلالي. هي في الجوهر تعبير عن قدرة الفكر البرجوازي على إنتاج نقده الذاتي وتقديم بدائل ثورية.