يوزيف شومبيتر وتفكيره الاقتصادي والسياسي
يُعَدُّ جوزيف شومبيتر من أبرز الاقتصاديين والمفكرين السياسيين في القرن العشرين، وقد انطوت إسهاماته على رؤى ثاقبة حول الديمقراطية وعلاقتها بالاقتصاد والمجتمع.
مقدمة حول القيم وأولويات الإنسانية
إحدى أشهر اقتباساته تعبر عن ملاحظة هامة حول طبيعة الديمقراطية ومكانتها في سلّم الأولويات الإنسانية: “هناك مُثُل ومصالح عُليا سيضعها أكثر الديمقراطيين حماسة فوق الديمقراطية”.
تفسير “حلولية القيم”
في هذا الاقتباس، يشير شومبيتر إلى أن الديمقراطية، رغم أهميتها الكبيرة، ليست بالضرورة القيمية النهائية أو المطلقة بالنسبة للناس، حتى بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بها بشدة ويدافعون عنها بحرارة. فهناك مثُل ومصالح قد يراها الأفراد أو المجتمعات أكثر أهمية أو قداسة من الديمقراطية نفسها.
احتمالات تضارب القيم
أولاً، يمكننا النظر إلى مفهوم “حلولية القيم”. يعيش الإنسان في عالم مليء بالقيم والأهداف المتنافسة والمتصارعة. من بين هذه القيم: الحرية، العدالة، المساواة، الكرامة الإنسانية، السلام، والأمن. في بعض الأحيان، قد يجد الأفراد أو المجتمعات أنفسهم في مواجهة مواقف تتيح لهم اختيار أحد هذه القيم على حساب الديمقراطية.
لنأخذ، على سبيل المثال، وضعاً تتعرض فيه الأمة لتهديد خارجي يهدد وجودها. في هذه الحالة، قد يرى العديد من الأفراد أن حماية الوطن وتأمين بقاء الأمة هي أولويات لابد من وضعها فوق العملية الديمقراطية المعتادة. وهذا لا يعني أنهم يرون الديمقراطية غير مهمة، بل يعكس تقديراً واقعياً للحاجة إلى توازن بين القيم حسب الظروف.
النظام الديمقراطي وتحدياته
ثانياً، النظام الديمقراطي نفسه ليس محصناً من العيوب والنواقص. في الديمقراطيات، يمكن أن تظهر حالات من الفساد، أو تتجاوز الديمقراطية حدودها، أو تفشل في تلبية احتياجات معينة للمجتمع. في مثل هذه الحالات، قد يسعى الأفراد إلى إحداث تغييرات قد تتطلب تجاوزاً مؤقتاً أو تعديلاً في بعض مبادئ الديمقراطية لتحقيق الخير العام أو حماية المصالح العليا.
مصالح عليا غير ديمقراطية
ثالثاً، يمكن أن تكون هناك مصالح عُليا تتعلق بالقيم الثقافية أو الدينية أو المعتقدات الروحية. في بعض المجتمعات، قد تعتبر الهوية الثقافية أو الدينية أو القيم الروحية خطوطاً حمراء لا يجب المساس بها. إذا شعرت هذه المجتمعات بأن الديمقراطية قد تتعارض مع تلك القيم الأساسية، فإنها قد تفضل حماية تلك المثُل على حساب الأنظمة الديمقراطية التقليدية.
وفي الختام، يمكن القول إن شومبيتر يلفت نظرنا إلى ضرورة وأهمية التآزر والتوازن بين الديمقراطية والقيم الإنسانية الأخرى. ففهم هذه الديناميكية يسهل على المجتمعات تحقيق تقدم وتطور ملموسين دون التضحية بالقيم الجوهرية التي تشكل هوية ووجود هذه المجتمعات. الديمقراطية وسيلة، وليست غاية بحد ذاتها، وينبغي أن تكون دائماً في خدمة الإنسان ورفاهيته وسلامته.
Sign in to cast the vote