مقدمة
جون ماينارد كينز، أحد أبرز الاقتصاديين في التاريخ، عرف بأفكاره التي غيرت مسار الفكر الاقتصادي التقليدي. اقتبس كينز قائلاً: “لم يحدث في التاريخ قط أن تم ابتكار طريقة بهذه الفعالية لجعل مصلحة كل بلد تتناقض مع مصلحة جيرانه مثل المعيار الدولي للذهب (أو الفضة سابقًا)”. تُعبّر هذه المقولة عن نقد كينز الحاد للنظام النقدي الذي كان سائدًا في عصره.
المعيار الذهبي ونظامه
المعيار الذهبي هو نظام نقدي يتبعه العديد من الدول حيث يتم تحديد قيمة العملة بكمية معينة من الذهب. على مر العصور، كان يُعتبر الذهب والفضة معيارًا لتحديد قيمة العملات. وقد أعطى هذا المعيار البلدان نوعًا من الاستقرار النقدي حيث يمكن تحويل العملات إلى ذهب بسعر ثابت. ومع ذلك، هذا النظام لم يخلو من العيوب والمشكلات.
تعارض مصالح الدول
أحد أبرز المسائل التي أثارها كينز هو كيف أن المعيار الذهبي يمكن أن يؤدي إلى تعارض مصالح الدول. عندما تكون عملة الدولة مرتبطة بالذهب، فإنها تُقيّد بمواردها الذهبية. في أوقات الأزمات الاقتصادية أو الحرب، قد تجد الدول نفسها مجبرة على سياسات اقتصادية تمتلىء بالتضخم والكساد. على سبيل المثال، إذا كانت دولة ما تعاني من عجز تجاري، فإنها تحتاج إلى تصدير الذهب لتعويض العجز، مما يضعف احتياطياتها الذهبية ويؤدي إلى انكماش اقتصادي.
التنافس من أجل الذهب
إضافة إلى ذلك، هذه الاقتصادات المترابطة بالذهب قد تؤدي إلى منافسة شديدة بين الدول للحصول على أكبر كمية ممكنة من الذهب. تبني الدول سياسات تهدف إلى زيادة صادراتها وخفض وارداتها للحفاظ على ميزان تجاري إيجابي، مما يؤدي إلى سباق تسليح اقتصادي بدلاً من التعاون.
تفاقم الأزمات الاقتصادية
واحدة من الإشكاليات الجوهرية التي أشار إليها كينز هي أن هذا النظام النقدي العالمي يزيد من حدة الأزمات الاقتصادية بدلاً من تخفيفها. وعلى عكس التعاون الاقتصادي الدولي الذي قد يعزز من الاستقرار والازدهار، يؤدي المعيار الذهبي إلى تفاقم الأزمات وتجعل كل دولة ترى في جيرانها خصمًا محتملاً في الصراع الاقتصادي.
من هذا المنطلق، يمكن فهم لماذا كان كينز معارضًا للمعيار الذهبي، حيث رأى فيه نظامًا لا يصلح لتعزيز التعاون الدولي والتوازن الاقتصادي المستدام. قد يكون هذا النقد أحد الأسباب التي دفعت بالنظام المالي العالمي إلى التخلي عن المعيار الذهبي واعتماد نظم أكثر مرونة واستقرار.
Sign in to cast the vote