المقدمة
في عالمنا المعاصر، نسعى جميعًا للوصول إلى السعادة والراحة النفسية. إلا أن هذه السعادة التي نطمح إليها تبقى في نهاية المطاف مفهومًا مجردًا وصعب التحديد. “السعادة لا تقيس نبضها أبدًا” هي قول حكيم للفيلسوف والاقتصادي الشهير آدم سميث، وهو يعكس بعمق طبيعة السعادة التي يصعب الوصول إليها مباشرة أو تقييمها بشكل ملموس.
يمكننا تفسير هذا الاقتباس بعدة طرق. أولاً، يمكن القول إن السعادة حالة شعورية وعاطفية لا يمكن قياسها بأدوات مادية أو بطرق علمية صارمة. هذه الحالة تأتي غالبًا نتيجة لمشاعر داخلية وتجارب شخصية تختلف من فرد لآخر، وبالتالي فإن محاولة قياس السعادة كأنها نبض قلب منتظم يُعد أمرًا غير ممكن.
ثانيًا، يُشير سميث إلى أن السعادة لا تعني فقط الغياب التام للمشاكل أو المصاعب، بل تتطلب تقبل الإنسان لحياته ومتغيراتها بدون إلحاح دائم في قياس مستوى رضاه أو مشاعر فرحه. فإذا كان الإنسان يسعى بشكل دائم ودقيق لمعرفة مدى سعادته ومحاولة السيطرة عليها، فإنه قد يفقد جوهر التجربة الإنسانية التي تتسم بالتلقائية والعشوائية أحيانًا.
ثالثًا، تقترح هذه المقولة أن السعادة تأتي من البساطة والعفوية في الحياة اليومية. فمثلما لا يحتاج القلب إلى التفكير كي ينبض، لا يجب على الشخص أن يكون منفصلًا عن تجاربه ليقيّم مدى سعادته. بل يُفضل أن يعيش التجربة بحذافيرها بكل ما تحمله من لحظات أفراح وأحزان، ويترك الأمور تتدفق بطبيعتها دون تدخل مفرط.
- من منظور آخر، ربما يعكس اقتباس آدم سميث ضرورة التركيز على اللحظة الحاضرة والاستمتاع بالأشياء البسيطة وعدم الانشغال بما هو بعيد المنال أو محاولة تحديد قياسات ثابتة له. يمكن للرغبة في قياس مستوى السعادة وتحليل كل تفصيل أن تؤدي إلى القلق وتفويت جمال اللحظات البسيطة في الحياة.
هذا القول الحكيم يدعونا إلى فهم أعمق لنفسيتنا البشرية وكيفية تعاملنا مع مشاعر السعادة. فلا حاجة لأن نكون صارمين في تقييم حالنا باستمرار، بل من الأفضل أن نستمتع بالرحلة بكل ما تحتويه من مفاجآت وتحديات. فالحياة التي نعيشها يجب أن تُعاش بكل فصولها بدون أن نحاول دائمًا وضع مؤشرات وأرقام لمستوى سعادتنا.
بتعبير آخر، السعادة ليست هدفًا نصل إليه عبر خطوات محددة ومفروضة، بل هي شعور ينتج عن تقبل الحياة كما هي، بموجب هذا الفهم نعيش حياتنا بأريحيةٍ وراحةٍ نفسيةٍ بعيدًا عن المعايير الصارمة والمعقدة.
Sign in to cast the vote